الكلام ..” أخذ وعطا “
محمد بن عايض
________________________________
الناس في الحديث أشكال مختلفة منهم من تأنس صحبته وتسرك رفقته، ويمضي الوقت معه سريعا، ومنهم الممل الثقيل وهو ذلك الذي لا يسكت أبدا، يظل متحدثا مواصلا الحديث بالساعات الطوال بلا معنى أو قيمة تذكر لحديثه.
وهناك صنف آخر من الثرثارين يتقمصون شخصية الفيلسوف، حيث ينسجون تحليلات فلسفية مطولة حول قضايا بديهية لا تتطلب كل هذا الضجيج. ويظهر الثرثار المخضرم، ذلك الذي يتصيد القصص من المجالس، فيأخذها ويضخمها، مدعيًا أنها وقعت له شخصيًا.
وآخر حديثه لا يتجاوز موضوعاً واحداً مكرراً ومملاً، ويعيد قصته عشرات المرات دون مراعاة لجلسائه اعتقادا منه بأنه يسرهم بسماع تلك القصص الباهتة والتافهة أحيانا . لقد نبه الجاحظ إلى خطورة مجالسة أولئك الثقلاء الذين يحملون طاقة سلبية تعكر صفو الأحاديث، فتتحول الجلسات إلى أجواء مملة يسيطر عليها ثرثار وحيد.
إن زينة مجالس الأنس تكمن في تبادل الأفكار والطرائف، والتمتع بسماع حكايات الآخرين، بعيدًا عن احتكار الكلام أو استئثار الوقت دون إتاحة الفرصة للآخرين للتعبير. هؤلاء الثقلاء قد لا يفهمون أن الإفراط في الحديث والثرثرة، والاستئثار بالكلام دون تمكين الآخرين من المشاركة، ليس سلوكًا مستحبًا. بل إنه يمثل مصدر نفور للذين يجلسون حولهم، وهم في غفلة عن سبب انصراف الآخرين عنهم.
في ختام القول، احذر رفقة الثقلاء، فصحبتهم أشبه بسلاسل تعيق الروح، وتغمر القلب في ظلمات الكآبة. ابحث عن رفيق يبهج نفسك، فكما قيل، الحديث هو “أخذ وعطا”، فليكن حديثك كالنسيم العليل.