محمد بن عايض
في إحدى ليالي الأربعاء الساحرة، اجتمعنا مع مجموعة من الأصدقاء المقربين على شرفة مقهى 04، حيث انطلقت منا الأحاديث حول تساؤل ملح يتردد في الأذهان: لماذا بات بعض الشباب يتجنبون خوض غمار تجربة الزواج، رغم مرور الزمن عليهم؟
تعددت الأسباب، وتباينت أهميتها ومعانيها، وبعد أن تفرقنا عن تلك الجلسة الودية، بدأت الأفكار والذكريات تتدفق في ذهني، ومن بينها قصة قد رواها لي أحد زملاء العمل من الشباب، وسأشاركها هنا لما تحمله من دلالة. يقول هذا الشاب:
تزوجت فتاة اختارتها عائلتي، من ذات المستوى الاجتماعي الذي ننتمي إليه. كانت عائلتها تحمل سمات الاحترام، وبدأت حياتنا تسير في مسارٍ طبيعي. لكن مع مرور الوقت، بدأت زوجتي تُظهر إصرارًا كبيرًا على البحث عن وظيفة، وكان ذلك يُدخل على قلبي السرور، إذ كان يتيح لي دعم شؤون الأسرة. إلا أن مسار حياتنا أخذ منحى غير متوقع، فعندما حصلت زوجتي على الوظيفة، بدأت تتغير تمامًا. تحولَت اهتماماتها إلى مسارات جديدة لا تمت بصلة للحياة الأسرية؛ فأصبحت مشغولة بالعمل، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمناسبات الاجتماعية، والسهرات، والسفر.
أصبح مكان إقامتها كأنه فندق، حيث تقضي فيه لحظات عابرة، دون أن تعبأ بالتفاصيل اليومية للحياة الأسرية. وبسبب عدم اهتمامها بالمنزل، أصبحنا في حاجة إلى عاملة منزلية، مما زاد الطين بلة، فالشؤون اليومية باتت كلها ملقاة على عاتقها. تخيل! لا تستطيع حتى إن تتناول كوباً من الماء إلا بمساعدة تلك العاملة، ولا تعير أي اهتمام لمطبخ أو ملابس أو ترتيب غرفتها، ناهيك عن تنظيم المنزل بأسره. كل شيء يبقى في فوضى عارمة حتى تصل العاملة، إلى حد أنها لا تستطيع ارتداء حذائها، دون أن تحضره تلك العاملة !
بالطبع، لا يمكنني الحديث عن دخلها المالي أو أن أطالبها بالمشاركة في متطلبات الأسرة والبيت، في حين أنني تحملت أعباءً ثقيلة من الديون لبناء هذه الأسرة، وهي لا تعير ذلك أي اهتمام. فكل ما يشغل بالها هو الانغماس في عالم المشاغل والتواصل الاجتماعي والسهرات والسفر. في بداية كل إجازة، تملأ حقائبها وتغادر وكأنها تهاجر، لتعود في نهاية العطلة، تاركةً وراءها بيتاً مهجوراً وحياة زوجية بحاجة إلى اهتمامها، متجاهلةً كل احتياجات زوجها النفسية والعاطفية. كأنها ترفع يدها عن كل شيء.
بذلت مجهودي بكل الطرق المتاحة، وسعى أهلها جاهدين، ولكنهم كانوا عاجزين عن تغيير الواقع. وفي النهاية، كان الطلاق الخيار الأنسب لحياة تفتقر إلى الاستقرار. رغم أنني لم أكن أتطلع أو أسعى إليه ، وقد صبرت وتحملت أعباءً ثقيلة، إلا أن حياتي كانت مليئة بالصعوبات. لقد كانت تجربة قاسية للغاية.
لا ريب أن هذه القصة تمثل نموذجًا فريدًا ونادرًا في نسيج مجتمعنا، كما أنه من المؤكد أن العديد من الأسر والفتيات لا يتسمون بهذا الطراز. ومع ذلك، عندما نتحدث عن آلام مثل هذه القصص المتداولة، يبرز شعور من القلق عند التفكير في اتخاذ خطوة من أهم خطوات الحياة. لعلاج هذا القلق، يجب على الإنسان أن يحسن اختياره، وألا يتسرع في اتخاذ قراراته بناءً على اندفاع عاطفي، أو على لحظات رائعة وكلمات معسولة، بل ينبغي أن يستند اختياره إلى معاييره العقلانية المتوازنة التي تتناسب مع احتياجاته النفسية. عندئذٍ، يتبدد الخوف، ويبقى التوفيق مرهونًا بإرادة الله.