الظل
الكاتبة : سلافة سمباوه
نحن نعتقد أننا نعرف أنفسنا جيدا، لكن هذا قد لا يكون صحيحا؛ هناك الكثير مما تؤمن به عن نفسك وأخلاقك ودوافعك ليس واضحا لك تماما كما قد تظن، بل إن هناك شخصا مختلفا يبدو وكأنه يلازمك ويتربَّص خلف تلك الفكرة التي صمَّمتها بعناية عن هويتك، وتعود جذور الحكاية إلى الطفولة.
خلال المراحل الأولى في حياتنا نكون على سجيتنا، فنُعبِّر عن كل ما يدور بداخلنا، نضحك ونبكي ونغضب، نحمل الحب واللطف والكرم أحيانا، ونكشف عن الغيرة والطمع أحيانا أخرى، لكننا نتعلم مع الوقت أن نختار من بين مشاعرنا ما يمكننا أن نُبديه للآخرين، وأن نُخفي أو نقمع بعض المشاعر التي نراها سلبية أو ليست محل ترحيب من المجتمع، مثل الخوف والغضب والغيرة والأنانية تُشعرنا أحيانا بالخزي فنعمل على كبحها، لكن مهما تخيلنا أننا نجحنا في تجاهلها، تظل بداخلنا وتتحكَّم بشكل ما في دوافعنا وسلوكنا، وهكذا يتكوَّن الشخص المختلف بداخل كلٍّ منا، فما الذي يحدث داخل نفوسنا في الظل؟ وكيف تؤثر فينا العواطف التي نحاول قمعها أو تجاهلها؟
منذ الطفولة يبدأ تشكيل ذلك الخط الفاصل بين ما هو “مقبول” وما هو “غير مقبول” في مجتمعنا، نتعلم كيف أن بعض السلوكيات والأنماط العاطفية والرغبات والاختيارات الحياتية غير لائقة، ولأننا كائنات اجتماعية، نحاول قدر إمكاننا أن نتجنَّب التعرض للنبذ، إننا نتعلم مبكرا ما سيحدث عندما نتعدى ما يبدو غير مقبول؛ سنعاني الألم الناتج من رد فعل المجتمع من استنكار وإصدار أحكام وربما نميمة. فإننا ننأى بأنفسنا نفسيا عن السلوكيات والعواطف والأفكار التي تُشكِّل خطورة بالنسبة إلينا، وبدلا من معالجة ما لا يعجبنا، يتظاهر عقلنا بأنه غير موجود من الأساس، وتعمل غريزتنا القوية تلقائيا على تجنُّب مواجهة الحقيقة المزعجة. يتجاهل العقل نقائصنا وعيوبنا ليحمي نفسه من تجربة الألم، ويبقى السبيل الوحيد للهروب من الألم المتكرر؛ أن نحجبه في كل مرة.
هكذا تتوارى تلك العواطف بعيدا ونُردِّد داخل أنفسنا قصصا نؤكد لها فيها مَن نحن وما صفاتنا، وما الذي نترفع عن القيام به، قصصا أعدنا روايتها كما نحب لنحمي أنفسنا من تبِعات النبذ، لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير كما نحب، فتحت السطح الهادئ الذي نجاهد للحصول عليه تموج تأثيرات أخرى في داخلنا.