لاتيه
منذ زمن طويل، وحتى وقتنا الحالي؛ كان إحراق البخور من العادات المستخدمة عند استقبال الضيوف، وكانت تجارته رائجةً في السَّابق، وقد ساهمت في تعزيز التبادل الثقافي، حيث عُرف في الحضارات الصينيَّة والآشوريَّة، كما عُرف لدى الفراعنة، قبل وصوله إلى الحضارة العربيَّة، وانتقاله لدى الأجيال كموروث شعبيٍّ أصيل.ولعلَّ من الجميل أنْ يُستقبل المرء في إحدى المصالح الحكوميَّة، أو في البيوت بشيءٍ من البخور، ولكن يبقى السؤال: هل نحن بحاجة إلى حرق هذه الكميَّات الكبيرة من البخور، في ظلِّ تكلفته العالية، وأضراره الصحيَّة التي أثبتتها الأبحاث؟.
في هذا السياق، لابُدَّ من الاستشهاد بقول معروف للأمير ماجد بن عبدالعزيز -متَّعه الله بالجنان- وكان يكره البخور، ويصفه بأنَّه «أغلى تلوُّث بيئي في العالم»، ويقولها بدعابةٍ بالإنجليزيَّة: The most expensive pollution in the world.كما نستشهدُ أيضًا بما تم نشره من تحذيرات حول مخاطر البخور، والتي نبَّهتْ إلى أنَّه مثير قوي لحساسيَّة الصدر، وأنَّه يزيد من احتقان الحنجرة، والقصبات الهوائيَّة، ونوبات الرَّبو؛ واحتمالات تعرُّض الرِّئتين للالتهابات الفيروسيَّة والبكتيريَّة. وقال استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشَّرايين الدكتور خالد النمر: «إنَّ الدراسات كشفت عن 200 مادة مثيرة للقصبات الهوائيَّة والرَّبو في البخور»، ناصحًا بتقليل استخدامه في الأماكن العامَّة «المساجد والأسواق» قدر الإمكان.
حالات مرضيَّة كثيرة تمَّ تشخيصها على أنَّها التهابات رئويَّة؛ بسبب التَّدخين، وسرعان ما اتَّضح أنَّها بسبب استنشاق البخور عبر زمن طويل؛ ممَّا ألحق الأذى بالرِّئتين.
قبل أكثر من عقدين من الزَّمن، أُصيب سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز -يرحمه الله- بمشكلات في التَّنفس، وتمَّ تنويمه في مستشفى القوات المسلَّحة بالهَدَا، وصادف وجود طبيب زائر من أمريكا، وتمَّ التَّشخيص أنَّ الإصابة التي لحقت بالرِّئة سببها التَّدخين، ثمَّ سرعان ما عرف الحقيقة، بأنَّ السَّبب هو البخور.
ودون أنْ نلحق الأذى بتجارة البخور، فإنَّ الأمر يتطلَّب منَّا إعادة النظر في استخدام البخور، لاسيَّما لدى المؤسَّسات الحكوميَّة، في ظلِّ سياسة ترشيد الإنفاق من جانب، ثمَّ الحفاظ على البيئة من جانبٍ آخرَ، وتعزيز الصحَّة العامَّة، وتقليص العادات القديمة في حبِّ وعشق البخور.
ولعلَّنا نضع هنا مقترحًا أمام إدارة الحرمَين التي تستهلك كميَّات كبيرة من البخور والعطور الطبيعيَّة الأُخْرى (في غير مناسبةِ غسيل الكعبة)، بأنْ يتمَّ إعطاء ذلك للرَّاغبين من المتطوِّعين وفق معايير محدَّدة، بما يسهم في تقليل التَّكلفة، وبما يحافظ على سلامة الآخرين.
نقلا عن صحيفة المدينة