عش بعقلية النسر.. لا بعقلية الغراب

د . خالد الغامدي

أخصائي نفسي وخبير تربوي


في أعالي السماء، حيث لا تصل الطيور العادية، يطير النسر وحده. لا يتجمّع مع العصافير، ولا يتجاوب مع صراخ الغربان. إنه يعرف من يكون، ويعرف جيدًا أن السماء العالية خُلقت لأمثاله. وكما أن الأسد هو ملك الغابة، فالنسر هو ملك السماء. لا أحد ينافسه، ولا طائر يجرؤ على تحدّيه… إلا الغراب.

الغراب وحده يزعج النسر، يقف على ظهره وينقر رأسه، يحاول التشويش عليه. لكنه لا يستطيع إيذاءه فعليًا، فقط يحاول أن يلفت انتباهه. ومع ذلك، لا يلتفت له النسر، لا يردّ عليه، لا يصرخ، ولا يدخل في صراع لا قيمة له. بل يفعل شيئًا واحدًا فقط: يواصل الصعود. يصعد أعلى فأعلى، حتى يصل إلى منطقة لا يستطيع الغراب التنفس فيها. هناك، حيث يقل الأكسجين، يختنق الغراب ويسقط. لقد انتصر النسر دون صراخ، دون رد، فقط بالعلو.

وهكذا هي الحياة. في طريقك إلى النجاح، ستجد كثيرًا من “الغراب” حولك. أشخاص يحاولون إحباطك، التقليل منك، أو استفزازك. إن التفتَّ لكل نقد أو تعليق سلبي، فلن تتقدم خطوة. لذلك، لا تتوقف، ولا ترد على كل كلمة تؤذيك، بل امضِ في طريقك، وارتفع بإنجازك. كلما ارتفعت، قلَّ الضجيج من حولك، وسقط من لا يستطيع مجاراتك.

النجاح ليس مجرد تحقيق هدف، بل هو في أحيان كثيرة أعظم رد على من قلل من قيمتك. كثيرًا ما يُقال: “النجاح هو أفضل انتقام”، لكن الحقيقة أنه الانتقام الوحيد. لأنك حين تنجح، تنسى من شكّك فيك، وتُثبت لمن أراد لك السقوط أنك كنت أهلًا للصعود.

تأمّل في قصة “فيروتشيو لامبورغيني”، الذي لم يكن له علاقة بالسيارات، لكنه شعر بالإهانة عندما قال له إنزو فيراري: “أنت لا تفهم شيئًا في السيارات”. لم يرد عليه، بل صنع شركة لامبورغيني، لتكون واحدة من أقوى وأسرع السيارات في العالم. لم يحتج للكلام، ترك الإنجاز يتحدث عنه.

أنت أيضًا، حين تواجه السخرية أو الظلم أو الإهانة، لا تدخل في جدال. خذ الألم وحوّله إلى دافع. اجعل من كل لحظة ضعف، درسًا يقويك. من كل طعنة، حافزًا يدفعك للأعلى. لا تتوقف لأنهم قالوا، ولا تتراجع لأنهم ضحكوا. تذكر أن الغراب لا يتعب من الإزعاج، لكن النسر لا يملّ من الارتفاع.

في حياتك، سيتكرر هذا المشهد كثيرًا: غربان تثرثر، تسخر، تحاول إيقافك. لا ترد. لا تلتفت. لا تُضِع وقتك معهم. كن كالنسر، اصعد عاليًا، وواصل طريقك حتى تختفي أصواتهم خلفك.

اترك تعليقاً