شخصيات عالمية
المفتي الحاج عمر إدريس (1940 – 2025): حياة مليئة بالإيمان والحكمة والإصلاح بين الناس

أحد أبرز علماء الدين الإسلامي في إثيوبيا، ورمزًا للقيادة الأخلاقية، بعد عقود من الخدمة العامة. تُمثل وفاته نهاية حقبةٍ اجتمعت فيها السلطة الدينية والمسؤولية المدنية في شخصه. كان بالنسبة لملايين المسلمين الإثيوبيين مُعلّمًا ومُرشدًا، أما بالنسبة للأمة ككل، فقد كان رمزًا للاعتدال والوحدة.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد المفتي الراحل في 29 مايو/أيار 1937 في منطقة ولو بإقليم أمهرا شمالي البلاد، وبدأ دراسته في مساجد قريته قبل أن ينتقل إلى مدينة دَسّي ثم إلى أديس أبابا طلبا للعلم، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء، من أبرزهم الشيخ محمد ساني حبيب. عُيّن لاحقا مدرسا في مسجد الأنوار ومسجد النور في العاصمة، وكرس حياته لتدريس علوم الشريعة الإسلامية. خلال مسيرة علمية استمرت أكثر من 5 عقود، ألف الشيخ عمر إدريس أكثر من خمسين كتابا في الفقه والتفسير والحديث النبوي، باللغة الأمهرية.كما ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمهرية، وفسّره أكثر من 300 مرة على مدى نصف قرن في العاصمة أديس أبابا، وفي عام 2019، منحته جامعة أديس أبابا درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لإسهاماته في التعليم والإصلاح الاجتماعي.
القيادة والخدمة
في مايو 2019، تم انتخابه بشكل سلمي رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، وهو المنصب الذي يشمل ولاية الإفتاء. ويعتبر وصوله إلى هذا المنصب تتويجاً لمسيرة علمية ودعوية طويلة.
النهج المعتدل والجامع:
تميزت حياته العلمية وخطابه الدعوي بالتركيز على الوحدة الإسلامية وتعزيز التعايش السلمي بين مختلف الطوائف الإسلامية في إثيوبيا (مثل الصوفية والسلفية)، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين. وكان دائم الدعوة إلى الاعتدال ورفض التطرف والفتنة.
عمل بلا كلل على تعزيز الشفافية المؤسسية وبناء التعاون بين القادة المسلمين وسلطات الدولة. وكثيرًا ما دُعي من قِبَل الحكومات المتعاقبة للتوسط في النزاعات الاجتماعية الحساسة وتعزيز التعايش السلمي.
أكدت خطبه وكتاباته باستمرار على قيم العدل والتواضع والرحمة ، وهي صفات اعتبرها جوهرية في التعاليم الإسلامية وجوهرية في الشخصية الوطنية الإثيوبية. وحثّ المواطنين من جميع الأديان على اعتبار التنوع أمانة إلهية لا انقسامًا، بل أمانة يجب حمايتها.
شيخ الحوار بين الأديان
في وقتٍ خيّم فيه انعدام الثقة أحيانًا على العلاقات بين الطوائف الدينية في إثيوبيا، كان المفتي عمر إدريس من أشدّ المدافعين عن التفاهم بين الأديان. تعاون مع قادة كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية، والكنيسة الكاثوليكية، والطوائف الإنجيلية في برامج تُعنى بتعليم السلام، والصحة، ومشاركة الشباب. وقد جعله هدوؤه وسلطته الأخلاقية وسيطًا مُعتمدًا في أوقات الأزمات.
ذكّر الإثيوبيين مرارًا وتكرارًا بأن أي دين لا يتسامح مع الكراهية أو التطرف ، وحذّر من أن التلاعب السياسي بالدين قد يُمزّق النسيج الاجتماعي للبلاد. وقد تجاوز صدى رسالته المساجد والكنائس، مُشكّلًا جيلًا من المواطنين الذين يعتبرون التسامح واجبًا وطنيًا.
إرث النزاهة والتواضع
على الرغم من توليه أحد أعلى المناصب الدينية في البلاد، عاش المفتي الحاج عمر إدريس حياةً متواضعة. رفض الترف، وركّز على تعليم الأطفال والنساء، ودعم الأعمال الخيرية التي وفرت الطعام والماء والمنح الدراسية للفقراء. يتذكر من التقوه صوته العذب، وروحه المرحة، واستعداده للإنصات قبل أن يتكلم.

وداع مهيب
توفي الشيخ عمر إدريس يوم الأحد 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025 عن عمر ناهز 88 عاما، يعد من الأعضاء المؤسسين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا، تجمع الألاف من جميع أنحاء إثيوبيا ، وتدفقت الحشود للمشاركة في التعازي وقبول التعازي من الجاليات المسلمة والقيادات المسيحية والمنظمات المدنية على حد سواء. ألقى رئيس الجمهورية كلمة وصف فيها الراحل بأنه أب ومعلم ورمز للسلام والعلم، كرس حياته لنشر الاعتدال بين الأديان في إثيوبيا، مؤكدا أن صوته ظل صوت الحكمة والوحدة في أوقات الانقسام.
في سعي إثيوبيا المتواصل نحو الاستقرار والاحترام المتبادل بين شعوبها، تُقدم حياة المفتي الحاج عمر إدريس نموذجًا للتعايش المبني على الضمير والإصلاح والتعايش لا على الصراع. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.