الطريق إلى السعادة
بقلم : محمد بن عايض
السعادة تمثل جوهرة ثمينة في عمق حياة الإنسان، فهي الرابط العميق الذي يربط بين الصحة الجسدية والنفسية، ويعزز من قدرات الإنجاز والنمو والازدهار. ليست السعادة مجرد خيار يتخذه الفرد، بل هي نتيجة تآزر مجموعة من العوامل التي تتفاعل لتشكل ذلك التوازن النفسي الساحر الذي يسهم في تشكيل الهوية الفردية؛ ومن ثم بناء المجتمع ككل. ويتجلى هذا بجلاء في الأسفار، حيث تعكس وجوه الناس إما فرحاً منيرا أو بؤساً مظلما. فما هي الأسس الجوهرية التي تُعزز هذه المشاعر الإيجابية، فتترك أثرها العميق في الفرد والمجتمع؟
أولاً: الإيمان
إن الإيمان بطقوسه الروحية والتعبدية يُشعر الفرد بطمأنينة عميقة واسترخاء رائع، ويخفف حدة التوتر، ويغرس فيه يقينًا راسخًا بالثواب والعقاب، مما يصبح رادعًا قويًا عن الكثير من الانحرافات. إنه يساهم في بناء مجتمع متماسك يتشارك القيم والمعتقدات، ويعزز من روح التعاون والدعم النفسي بين أفراده، ويشجع على التمسك بالأخلاق والفضائل. كما يُوقظ الضمير، ويُعزز القيم النبيلة، مُوجهًا السلوك نحو المسار الصحيح. كل ذلك يُشعر الإنسان بالراحة والطمأنينة، ويوقظ في النفس مشاعر السعادة التي تنبع من الإدراك العميق لأثر الإيمان باليوم الآخر، حيث تتضح الرؤية أن نهاية الحياة ليست مجرد عبث أو عدم، بل هي نقطة انطلاقة نحو معنى وهدف أسمى.
ثانيا : الحب:
يُعتبر الحب عمودًا راسخًا في جوهر الحياة السعيدة، وهو حاجة ملحة تلامس أعماق الإنسانية، حيث يرتبط بتقدير الذات والانتماء والإيمان العميق، فضلاً عن الاتصال بالآخرين. إنه يغذي الروح بدافع التضحية والعطاء والبذل، ويغمرنا بمسؤوليات نبيلة. يوفر الحب شبكة من الأمان العاطفي تُحاط بنا من الجهات جميعها، عبر الأسرة والأصدقاء والأحباء، مما يجعلنا نشعر بأننا لسنا وحدنا في خضم التحديات التي تفرضها الحياة. يمتاز الحب بدوائر متشابكة ومعقدة، وما يميز الحب الصادق هو أنه يتجاوز الماديات السطحية، رغم محاولات البعض تحويله إلى سلعة مادية نفعية.
الحب في جوهره، شعور إنساني عميق يتبادله الناس بوعي لاستمرار وجود البشرية، حيث تظل شعلة الحياة متقدة من خلال الروابط والتواصل الذي يُغذي مشاعر التعاون والتعاطف المشترك من أجل البقاء.
ثالثا : العطاء
في مسار البحث عن الذات واكتشاف كنز السعادة، يجد العديد من الناس أنفسهم في سبيلي العطاء والبذل بلا مقابل، خاصة عندما ينبع ذلك من رغبة صادقة في تقديم المساعدة دون انتظار الشكر أو الجزاء من أحد. في هذه اللحظة، يُفتح كنز السعادة أبوابه على مصراعيها، حيث توجد دلائل تشير إلى أن العطاء والبذل مرتبطان بشعور النشوة والفرح النفسي الداخلي الذي يثير السعادة. لذا، فإن لها تأثيراً على تنشيط مناطق من المخ المرتبطة بالسعادة. هذا العطاء يخلق هالة من النور والحب والاحترام، ويبني جسوراً من المودة والألفة والامتنان، كما يمنح الحياة معنى أعمق وأوسع من الأنانية الضيقة، متجاوزاً إياها إلى الروح الإنسانية الرحبة، مما يعود بالخير والنماء والسعادة على الإنسان نفسه.
رابعا: العمل
إن العمل لا يُعتبر مجرد وسيلة لتحقيق المكاسب المادية فحسب، بل هو مفتاح يُفتح به باب السعادة والرفاهية النفسية، وهو السبيل الذي من خلاله نحقق ذواتنا، ونسعى نحو الرضا عن الحياة. فالعمل يجسد الإنجازات، ويصل بنا إلى الأهداف، كما أنه يفك قيود العزلة، ويمنحنا الموارد المالية التي تضمن لنا حياة كريمة، ويُشكّل ملامح هويتنا، ويُعمّق شعورنا بالانتماء.، بالإضافة إلى كونه وسيلة للرزق، فهو أيضا أداةً لتحقيق الطموحات والآمال، مما يمنح الحياة شعلةً متجددة من الأمل تُشعل السعادة في قلوبنا.
الخلاصة
طريق السعادة يضم الأعمدة الأساسية للسعادة التي تشمل الإيمان، الحب، العطاء، والعمل، إضافةً إلى روافد ومصادر الحياة الأخرى مثل الصحة، والازدهار المالي، والعلاقات الاجتماعية، والاستقلالية بعيدا عن الضغوط المتواصلة، فالسعادة شجرة تنمو وتزدهر،ويمتد ظلالها لينعم به الفرد والمجتمع .