المقالات


أستر نفسك .. الله يستر عليك

بقلم : محمد بن عايض 

 

قالوا قديمًا “تحدث حتى أعرفك”، وهو قول يحمل في طياته حكمة عميقة تكشف عن خفايا شخصية للذين لم تتعرف عليهم بعد، ويظل الغموض يكتنفهم حتى ينطقوا، وحينها تتضح الصورة، وتعرف من يقف أمامك. إن الحياة مدرسة ميدانية تأخذك في رحلة مثيرة، تفتح أمامك آفاقًا لا حصر لها، وتعرفك بأصناف من البشر لم يكن يخطر ببالك أن تلتقيهم يومًا. تجمعك بهم المجالس والأماكن العامة، في الحضر أو السفر وأحيانًا في مجموعات التواصل ، لتتفاعل معهم وتعرف قصصهم وشي من حقيقة شخصياتهم .

الحاجة إلى الأدب في اللفظ وحسن المنطق لايقل حاجة عن جمال اللباس وحسن المظهر ، فمنطق الرجل إما أن يعريه ويكشف عواره وإما أن يستره  ، والكلمات لها روائح وأشكال تظهر القبيح أو الجميل وتفوح بالعطر والشذى إذا تجملت وتعطرت . وكم من كلمة أطربت وكم من أخرى أحرقت وكم من كلمة  قالت لصاحبها دعني .

أحيانا، في بعض المجالس العامة  التي تجمع الهافي والجافي –  تفاجأ بمن  يخلع ثوب الوقار، مزيحين الستار عن فصول قصص تسمى غرامية  ولكنها فاضحة ، ويكشفوا عن مغامرات سافلة تهتك القيم. وتقفز فوق  جدران الحياء، فتقوض سقف الفضيلة  بكلمات وحكايات تتجاوز حدود الحشمة، دون أي اعتبار أو احترام للجالسين من كبار السن والفضلاء والعقلاء الذين جمعتهم الصدفة.

لايمسهم خجل من  أحد،  كبيراً أو صغيراً، قريباً أو غريباً، ولا يأبهون لمن يغضي حياءً أمام فظاعة ما يسمع من قصص تسود وجه  المروءة، وتبجل الرذيلة وترتقي بالفجور بلا أدب. إن من يدمن  على الكلام الفاضح القبيح ، قد أساء إلى نفسه في المقام الأول؛ فالناس تتضاحك ظاهرا هزوء ، و في أعماقها تحتقر هذ السفه وتلك  القصص الخيالية  الدنيئة، وتتبادل  نظرات الازدراء من طرف خفي  إلى أبطال تلك الحكايات الواهمة .

إن مثل هؤلاء الأشخاص قد يسعون إلى دور يثير فيهم نار الأهمية، ويضيء بوقود قصصهم التافهة حجم مكانتهم الغائب. فإذا كانوا صادقين فيما يروون من أقوال فاضحة، فقد عروا أنفسهم، وكشفوا ستر عيوبهم. ولعلك تتعجب وتتساءل لماذا ينشرون فضائح أفعالهم في المجالس، رغم أن الله قد سترهم! وكيف يتفاخرون بمثل هذه القصص التي تندى لها جبين الرفعة، وينكرها الذوق، ويتبرأ منها الشرف؟
إن خير ما يمكن أن يقال لهؤلاء هو “كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين هم التوابون. وإذا ابتليتم، فاستتروا، واحفظوا ألسنتكم، واسترو أنفسكم  . الله يستر عليكم”

This Post Has One Comment

  1. غازي الطريقي

    سبحان الله تلك المجاهرة بالمعصية وعقوبتها اشد من المعصية والعياذبالله، نسأل الله السلامة
    بالفعل بعض الوقار ينجلي عند الحديث كما قيل سابقاً (( آنَ لأبي حنيفة أن يمد رجليه! ))
    سلمت أناملك المبدعة ابو عايض 🌹

اترك تعليقاً