المقالات


يولد الشغف من جديد

د . خالد الغامدي : أخصائي نفسي وخبير تربوي 

 

هل شعرت يومًا بأنك فقدت شغفك بكل شيء؟ كأن الألوان من حولك بهتت، والأيام تمضي متشابهة لا جديد فيها؟ لا تقلق، فهذه ليست النهاية، بل هي اللحظة التي تسبق التغيير الحقيقي.

فكل إنسان، مهما كانت قوته، يمرّ بفترة فتور يتوقف فيها عن الاستمتاع بما كان يحب، لكن السرّ هو ألا تستسلم لتلك المرحلة، بل اجعلها وقودًا لبداية جديدة. الهوايات ليست ترفًا أو مضيعة للوقت كما يظن البعض، بل هي علاج خفي ونافذة تُطلّ منها على نفسك من جديد، فهي تعيد التوازن وتمنحك فرصة لإعادة شحن طاقتك وتجديد روحك.

لا تبحث عن الهواية المثالية، بل جرّب كل ما تقع عليه يدك، اقرأ، اركض، ارسم، صوّر، أو حتى اكتب خواطرك البسيطة، فكل تجربة صغيرة تقودك لاكتشاف شيء جميل في داخلك كنت تجهله. يقول علماء النفس إن المداومة على فعلٍ ما لمدة أربعين يومًا كفيلة بأن تحوّله إلى عادة دائمة، وقد أكّد ذلك حديث النبي ﷺ عن المواظبة على صلاة الفجر، فهي تدريب للنفس على الانضباط والاستمرارية ورسالة بأن التكرار يصنع الثبات.

لكن تذكّر أن الشغف لا يولد جاهزًا، بل يُصنع بالصبر والمجاهدة، ستبدأ وأنت متردد وربما تشعر بالملل، لكن لا تتوقف، كما قال الإمام الشافعي: “لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.” فالنجاح لا يأتي دفعة واحدة، بل خطوة بخطوة مع كل مرة تجبر فيها نفسك على الاستمرار رغم التعب. وإن ضاقت بك السبل، فتذكّر أن الله الذي استجاب لزكريا عندما طلب الولد في كِبره وسخّر الرياح لسليمان حين طلب المُلك، قادر أن يفتح لك الأبواب حين تظن أنها أُغلقت، فقط آمن وابدأ بخطوة ولو صغيرة. 

فالشغف الحقيقي لا يُكتشف في لحظة إلهام، بل يُبنى من المحاولة بعد الفشل ومن الإصرار بعد التراجع، وكل يوم تمارسه فيه، ولو قليلًا، يقربك أكثر من ذاتك ومن حلمك. لا تنتظر أن تأتيك المعجزة، كن أنت المعجزة، وازرع في يومك عادة صغيرة وستحصد غدًا شغفًا كبيرًا، فالحياة لا تنتظر من يتردد، بل تفتح ذراعيها لمن يتحرك، وصدقني، حين تبدأ، ستكتشف أن أجمل لحظات الحياة ليست في الوصول إلى الهدف، بل في الطريق الذي يقودك إليه.

اترك تعليقاً