لاتيه – محمد بن عايض – هل للأماكن مشاعر ؟
وصف صورة للمشاعر الإنسانية أمر مألوف، لكن هل يمكن لنا أن نستشعر وجود مشاعر للكائنات الأخرى بما فيها الجمادات. مشاعر يمكن وصفها أو رسمها والتعبير عنها؟
وصف مشاعر الأماكن بما تحويه من مكونات المكان، يبدو أن الأماكن تتفاعل مع مشاعرها بطريقة تعبر عنها على نحو فريد، حيث تظهر مشاعرها من حزن وفرح بطريقة غير تقليدية.
حين تفقد الأماكن من احتضنت وأحبت فيهم خلقا وروحا وسموا ونبلا أولئك الذين أنست بعشرتهم، وتبادلت معهم أوقات الجمال والصفاء، وقضت معهم أوقات العسر واليسر، حين تفقد الأماكن هؤلاء البشر يظهر عليها بؤس الوداع، وترتدي ثوب الانكسار، وترى الفراق خاشعا في زواياها. وترى أثر ه باديا في كل زاوية منها.
حين تفقد الأماكن أولئك البشر وهم روحها المضيئة بجمال الابتسام وعطرها الفواح بعبق الترحيب وروعة الكلام و أنس البخور وطيب السلام، حين تفقد كل هذا الحضور الألق وهذا البهاء حينها تفقد الهالة والجاذبية ويلف الجمود أعضاء مكونات وجود المكان . فترى الأضواء مطرقة كسوفا ، وللأبواب صرير قد أوجعه الحزن ، وللمقاعد تنهيدة تنم عن شكوى البين ، وللصنبور خرير جاف يتحدر على مضض ، وترى صور الجدران تميل نحو المخرج ، وورود المنضدة ذبلت وشجيرات الزوايا تتوارى …ولا تعرف لماذا ؟ أسفا أم خجلا أو هو ألم الفراق وحنين البعد .
تحتفظ الأماكن في ذاكراتها بتفاصيل الصوت والهمس واللمس واللون والحديث والخطى لمن تعلقت بهم ، وتعبر عن حنينها بصوت لا يسمعه العابرون إنما يراه العارفون بدقائق المكان وتفاصيله ، فالأماكن تنكفأ على ذاتها وتحمل أحزانها في طياتها كما تنشر أفراحها وبهجتها في ثنايا رحابها . عبر الأدباء والشعراء عن مشاعر الأماكن وخير من رسم صورة اشتياق الأماكن حديثا ، الشاعر القائل الأماكن كلها مشتاقة لك .