بقلم: منصور العلي
قبل سنوات، كان التطوير المهني مرتبطًا بحضور الدورات التدريبية التقليدية، سواء في قاعات المحاضرات أو عبر ورش العمل التي تتطلب التفرغ والالتزام بجدول زمني محدد. لكن مع التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت، بدأت منصات التعلم الذاتي تغير المشهد بالكامل، مما يطرح تساؤلًا مهمًا: هل يمكن أن تحل هذه المنصات محل الدورات التقليدية؟
في الماضي، كان الحصول على شهادة من معهد أو جهة معترف بها هو الطريق الأساسي لاكتساب مهارة جديدة أو تعزيز فرص الترقية في العمل. لكن اليوم، لم يعد الأمر مقتصرًا على الشهادات، بل أصبح التركيز على “ماذا يمكنك أن تفعل؟” وليس “ماذا درست؟”. منصات مثل Udemy، Coursera، LinkedIn Learning وEdX أتاحت للمتعلمين الوصول إلى محتوى تعليمي متقدم في مختلف المجالات، من البرمجة وإدارة المشاريع إلى الفنون والتسويق الرقمي، وكل ذلك من أي مكان وفي أي وقت. هذه المنصات توفر مزايا عديدة، مثل المرونة التي تسمح للمتعلم باختيار الوقت والمكان المناسبين للدراسة دون الحاجة إلى الالتزام بجداول صارمة، إضافة إلى التكلفة المنخفضة مقارنة بالدورات التقليدية، حيث تتوفر العديد من الدورات المجانية أو بأسعار معقولة. كما أن تنوع المحتوى يمنح المتعلم فرصة اختيار ما يناسب احتياجاته، دون التقيد بمناهج ثابتة، فضلًا عن أن الدورات الإلكترونية تُحدّث باستمرار لمواكبة أحدث التوجهات.
لكن رغم كل هذه المزايا، لا يزال هناك تحديات تواجه التعلم الذاتي عبر الإنترنت. فمن ناحية، لا يستطيع الجميع الالتزام بالتعلم بمفردهم دون وجود دافع أو إشراف مباشر. ومن ناحية أخرى، بعض المهارات، خاصة العملية والتقنية، تحتاج إلى تطبيق وتفاعل مباشر مع المدربين، وهو ما توفره الدورات التقليدية بشكل أفضل. لذا، بدلًا من الحديث عن استبدال الدورات التقليدية، ربما يكون المستقبل في الدمج بين التعلم الذاتي والتعليم التقليدي، وهو ما يعرف بنظام التعلم المدمج، حيث يجمع المتعلم بين حضور ورش العمل العملية والدورات الإلكترونية المرنة، مما يمنحه التفاعل المباشر مع المدربين وفي نفس الوقت فرصة الدراسة الذاتية وفقًا لسرعته الخاصة.
في النهاية، سواء اخترت التعلم الذاتي أو الدورات التقليدية، الأهم هو الاستمرار في التعلم والتطوير. في عالم سريع التغير، المهارات هي العملة الحقيقية، وكلما كنت أكثر قدرة على التعلم الذاتي، زادت فرصك في التميز والنجاح. لذلك، ربما السؤال الأهم ليس “أيهم أفضل؟” بل “كيف يمكنني الاستفادة من كليهما بأفضل طريقة ممكنة؟”.