
محمد بن عايض
أول إشارات فقدان البوصلة وضياع الاتجاه في الحياة تكمن في الاحتفاء بما لا يجلب نفعاً، ولا يدفع ضرراً ، سواء في زمننا الحاضر، أو بعد الرحيل. عندما يفقد الإنسان بوصلته، يتيه في دروب الحياة، ويغوص في غمار الأوهام السخيفة،. يحتفل بها ويفرح من أجلها، ويغضب بسببها، معتقداً أنه يحسن صنعا، وهو في حقيقة الأمر يطارد سراباً ووهمًا، ليقضي عمره في جريٍ محمومٍ في مسالك لا نهاية لها.
إن من يعاني ضياع الاتجاه يستهلك من وقته وجهده وماله، ويجوب دروب الضياع بلا كلل، بينما يستمر العمر في الانزلاق من بين يديه، ويتدحرج الوقت حوله، دون أن يلتفت أو يطرح سؤالاً: هل أنا على المسار السليم؟!
أوضح دلائل الانحراف في مسار الحياة هو الانغماس في أهداف هزيلة وتافهة لا تُغني ولا تُسمن من جوع، بل هي مجرد عوائق تعرقل السعي نحو الغايات الحقيقية التي يستحق الإنسان أن يكرس حياته من أجلها. هذه الأهداف السخيفة لا تُعلي من شأنه، ولا تُخلد ذكره، بل على العكس تماما تسيء إليه، وتحط من قدره، وتقتطع منه الوقت والجهد الذي كان أولى به أن يصرف في سبيل تحقيق ما هو أسمى وأرفع . والمأساة تكمن في أن الإنسان يسير في هذه الدروب المظلمة، دون أن يدرك أنه فاقد للبوصلة.
وليكشف الإنسان عن هذا المسار يطرح على نفسه سؤالا بسيطا: أين يمضي غالبية ساعاته، وما الذي يستحوذ على اهتمامه كل هذا الوقت؟ هذا التساؤل يعكس بعدًا جوهريًا في طبيعة الإنسان، ليظهر له ما إذا كانت خياراته صحيحة أم لا.
عندما يستشعر الإنسان أنه يسير في مسار لا يعود عليه بالنفع في حياته، أو بعد وفاته، فعليه أن يدرك أنه في أمس الحاجة إلى إعادة توجيه بوصلة حياته، وإعادة توجيه دفة الأيام نحو الاتجاه السليم. إنه الوقت المثالي للانطلاق مجددًا في مسار يضيء له درب النجاح.