البحث عن المكانة

بقلم : محمد بن عايض


إن حاجة الإنسان إلى المكانة تُعد حاجة فطرية وملحة، إذ يتوق إلى التقدير الذي يمكن تلبيته عبر الآخرين من جهة، ومن جهة أخرى من خلال ذاته. وكلا الطريقين يحملان أهمية قصوى. ولكن عندما يفتقر الإنسان إلى تقديره الذاتي، يجد نفسه مضطراً للبحث عنه من خلال اعتراف الآخرين.

تكتسب الحاجة إلى التقدير الخارجي دوراً حاسماً في تحفيز الإنجازات وتعزيز روح التعاون والتكافل الاجتماعي، فضلاً عن بناء علاقات متبادلة تُثري الحياة. ومن ناحية أخرى، فإن التقدير الذي ينبع من الذات يُحصن الإنسان من محاولات إثبات الذات السطحية وإظهار تفوق زائف، مما يعزز قيمة الفرد دون الحاجة إلى إثباتات غير ضرورية ومحاولة إبراز الأهمية من غير دور أو مساهمة تذكر. 

يتجلى التعبير عن قلة الحاجة إلى المكانة في أشكال متباينة وصور متعددة، حيث يُظهر الأفراد رغبتهم في إثبات مكانتهم بطرقٍ مختلفة. من بين هذه الطرق، نجد الغياب غير المبرر في لحظات يتطلب فيها الحضور بشكلٍ ملح، كما يُظهر البعض مهارة اختلاق مشكلات تافهة كان بالإمكان تجاهلها. بالإضافة إلى ذلك، يُمارسون العناد بلا سبب، ويسعون إلى التقليل من جهود الآخرين. ولا ننسى السباق غير المحمود نحو التميز والظهور الذي غالباً ما ينتهي بتفشي التنافس  الفارغ من الجدوى.

يعود الشعور بنقص التقدير إلى مجموعة متنوعة من الأسباب، تتنوع بين تأثيرات الطفولة والتربية، وأسباب نفسية أخرى، بالإضافة إلى أمراض القلوب مثل الغيرة والحسد، وغيرها من العوامل. يترجم الإنسان هذا الإحساس العميق بالحاجة إلى التقدير من خلال سلوكيات ضارة قد لا يدركها بنفسه، لكنها تثير استغراب الآخرين واستنكارهم.

إن الرغبة في التقدير والمكانة تمثل حاجة إنسانية فطرية وملحة، يمكن تجسيدها من خلال الأعمال الصالحة وتقديم العون والمساعدة بالأسلوب المناسب لكل فرد، سواء كان ذلك لمجتمعه المحدود أو للمجتمع الأوسع.

إن تحفيز هذه المشاعر السلبية نحو الخير والابتعاد عن السلوكيات الضارة يعكس نبالة الإنسان وكرامته. بينما قد يؤدي التعبير عن المشاعر بطريقة عكسية إلى جلب الشرور والانقطاع عن الآخرين، مما يثمر شعوراً بالكراهية تجاه هذا السلوك، على الرغم من أن من يقوم به قد لا يقصد الأذى بقدر ما يسعى للتعبير عن حاجته إلى التقدير والمكانة. وقد تُفهم هذه التصرفات أحياناً على أنها أذى متعمد، وهي في جوهرها ليست كذلك.

اترك تعليقاً