بقلم : محمد بن عايض


العقوق سلوك مشترك

لا شك في أن ظاهرة العقوق تتسم بالتعقيد، حيث تتداخل فيها أسباب متعددة، بعضها واضح وبعضها خفي. من أبرز هذه الأسباب نجد فراق الزوجين، وإفراط الدلال، بالإضافة إلى القسوة المفرطة على الأبناء أو على الأم، فضلاً عن عدم العدالة في المعاملة بينهم. ومع ذلك، يمكننا في هذه العجالة أن نسلط الضوء على تأثير الغياب المطول عن الأبناء في مرحلة الطفولة، والذي يؤدي دوراً محورياً في نمو ظاهرة العقوق. فالغياب الطويل عن الأسرة يحمل في طياته آثاراً عميقة، ويُعتبر العقوق سلوكاً مشتركاً يتبلور نتيجة لهذه الظروف.

أهمية وجود الأب في الأسرة

يجسد الأب في حياة الأبناء داخل الأسرة أهمية قصوى فهو المنفق من سعته وهو رمز السلطة ومحدد الحدود، وهو الملاذ الآمن الذي يدافع عنهم في أوقات الشدة، كما أنه المربي الذي يحمل في جعبته كنوز الخبرة الحياتية . يُعتبر الأب أيضًا قدوة في فنون التوجيه والتربية، خصوصاً في مراحل الطفولة الأولى والمراهقة . هنا تتجلى أهمية وجوده الوجداني الفعلي، إذ قد يكون موجودًا جسديًا، لكنه غائب روحا ومقامًا وتوجيهاً ورعاية؛ إذ يوجَد اسم بينما يفتقر إلى الوجود الفعلي. يُهدر الأب معظم وقته في الانشغالات الخارجية، سواء عبر الجوال أو وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدًا عن مشكلات الأبناء، مما يحرمهم من اللحظات الثمينة التي تخص الحديث الجاد والجلوس معهم لاستعراض همومهم اليومية، في جو خالٍ من التأنيب والتقريع.

 

لغياب الأب الطويل تأثيرات سلبية عميقة على حياة الأبناء، مما يجعل من الصعب عليهم فهم هذا الغياب.

 

الغياب الممتد لا يقتصر على كونه غيابًا جسديًا فحسب، بل يتجاوز ذلك ليصبح غيابًا روحيًا ومعنويًا عميقًا. يحتاج الأبناء إلى المشاركة العاطفية والوجدانية، سواء في لحظات الفرح أو الأزمات. وإذا كان الأبناء في أمس الحاجة إلى وجود والديهم، فإنهم يحتاجون بشدة إلى حضور الأب الذي يكون مرشدًا ومرجعًا وحاميًا، يحدد لهم الحدود بين الصواب والخطأ، خاصةً في مرحلة المراهقة، حيث يبدأون رحلتهم في طرق الحياة المتفرعة، ويواجهون سيلًا هائلًا من المعلومات من خلال وسائل الإعلام. تشير د. وفاء الأنصاري، استشارية العلاقات الأسرية والإنسانية، في لقاء صحفي إلى أن غياب الأب عن الأسرة قد يُعتبر كارثة تهدد الكيان بأسره. حتى وإن كان هذا الغياب ناتجًا عن أسباب منطقية مثل الوفاة أو الهجر أو طبيعة العمل المختلفة أو الزواج بأخرى أو الطلاق أو المرض، أو حتى مجرد تراجع عن أداء الدور وتحمل المسؤولية، فإن لذلك تأثيرات سلبية عميقة على حياة الأبناء، مما يجعل من الصعب عليهم فهم هذا الغياب.

الغياب والعقوق

إن انحراف الأبناء عن السلوك القويم غالبًا ما ينبع من غياب طويل وإهمال من جانب الوالدين، إذ يلعب الأب دورًا محوريًا في تشكيل توجهاتهم. فالوجود الفعلي للأب والاستماع إلى أبنائه ومناقشتهم ومنحهم الوقت الكافي لتلبية احتياجاتهم العاطفية والنفسية، يعكس أهمية لا تقل عن متطلبات الحياة الأخرى، حيث يسهم هذا الوجود في بناء علاقة عاطفية مشتركة ومتبادلة ، و في ملء الفراغ النفسي والأستقرار العاطفي لدى الأبناء. كما يؤدي دورًا حاسمًا في توجيههم نحو الصراط المستقيم والأخلاق الفاضلة، مع توفير شعور بالأمان .

إن بناء أسرة قائمة على التعاطف وتربية أبناء أصحاء نفسيًا وعاطفيًا يعد من الأولويات القصوى التي تحقق التوازن والمصالح المشتركة بين الوالدين والأبناء، حيث يجد الوالدان السعادة في أبناء بررة، بينما يحمي الأبناء من الوقوع في براثن المنظمات الإجرامية وتهديدات الحياة بمختلف أشكالها. وبهذا، يزدهر المجتمع بمواطنين صالحين.

اترك تعليقاً