الكاتبة سلافة سمباوه تكتب : حب مطمئن

لاتيه – المقالات

 

حب مطمئن
الكاتبة : سلافة سمباوه
————
لاحظت في الاونة الاخيرة استغراب البعض عندما تكتشف أن الاخر أيما كان هو صديق /ة قريب/ة أنه غير متزوج أو عازف أو حتى أنه خالٍ من أي علاقة فعلياً ، يصبح أشبه بالغريب المصاب بخلل ، يهرب منه البعض لأنه بلا حب ، أحب وحدته بلا ارتباط .
من اعتقادي وإيماني وقناعاتي الحب ان تكون الاجابات مطمئنة لا منطقية نتيجة حتمية لقرارات آثمة ندفع ثمنها لاحقا، قد تكون خياراتنا مرهونة بالقسمة، ما بين الحب، أو الخذلان، كثيرا ما ينقص المجتمعات ثقافة الحب وكيفيتها، وقد يعود ذلك إلى التربية والتنشئة منذ الصغر، وتبقى ثقافة الحب محصورة بين أربعة جدران؛ مما رسخ في عقولنا أن الحب عيب ولا يليق بالراشدين.
الحب ليس لفظا يمكن تداوله فحسب، بل هو احتواء لكل ما في الكون من جمال، وكما قيل في تعريفه لغويا متضاد، فكثيرا ما يشبّهون الحب بالداء والدواء، إن كثرة التعاريف والآراء والمصطلحات لا تثبت على قرار، لكنها تنصب جميعا بأن الحب يحتاج إلى وعي وثقافة، والمقصد من الثقافة، ليس قراءة الكتب والاطلاع عليها، بل هو إتقان الحب ومصداقيته كونه مسؤولية صارمة وجازمة في العلاقة بين الإنسان وروحه وقلبه ووعيه، ويفتح آفاق مرحلة جديدة من الحياة.

كثير من المواقف رغم مرارتها تمنحنا مزيدا من الدروس والعبر، فالنضوج لا يولد معنا مكتملا، وإنما ينمو بفعل التجارب التي نمر بها، حينما نفكر في قرارات الأمس، ندرك كم كنا فقراء في نظرتنا لبعض الأمور والتعاطي معها بحسن النية، وهذا ما نشعر به مع كل حالة من الخذلان، فبفعل تلك الصدمات نجد أحيانا أنفسنا في دائرة من القناعات المحدودة وربما الخاطئة.

قد يتبادر إلى ذهننا سؤال “هل يوجد حب حقيقي؟” لن يبدو الجواب غريبا، فالحب افتقد قداسة الطهارة؛ فأصبح مثل كرة في ملعب، وعلاقات في الخفاء والعلن، بحيث لا ننظر إلى خطورتها من منظور الوعي الذاتي الأخلاقي الاجتماعي، لأننا بتنا أجسادا بلا إيمان روحي، وبلا ثقافة منشودة، ومع الاجتياح والغزو التكنولوجي تحت رزح هيمنة الحرية، طغت المشاعر الإلكترونية؛ وتربعت في عالمها الثالث؛ فاستبدلت الأرواح بوجوه صفراء على شاشات بأحجام مختلفة؛ وكأننا لم نُخلق بوجوه متعددة، حتى أبكمتنا أرقام وحروف صامتة، فتحولت المشاعر على اختلاف أنواعها إلى رسائل على تطبيقات محملة على هواتفنا الذكية حتى كادت أن تحولنا إلى أغبياء.
تبدلت الموازين فأضحى الحب بنقرة على موقع ما ، وقد لا ترى أعيننا لنعشق، ولم تتلّفظ ألسنتنا لنتسامر، ولم تقض قلوبنا في الحب؛ بل نقرنا نقرة وصرنا عاشقين، فتغيرت مشاعرنا لإلكترونيات تطبع ما يجوب في هواجسنا حتى باتت تستوطن أرواحنا التي غدت رهينة تلك الشاشات الصغيرة، واقع افتراضي زائف، ثرثرة آلت بنا إلى التلعثم والاستسلام، مشاعر إنسانية مدفونة خلف رسائل إلكترونية منسوجة من حروف باردة ووجوه صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين، أكاذيب ضالة ومشاعر زائلة لتصبح المشاعر أيقونات باردة تَعرِض ما يجيش في الخواطر، فالاختفاء وراء تلك الشاشة الصماء ليتقمص أدوارا لا تمت لنا بصلة؛ ما هو إلا ضعف وعجز في الاندماج في الواقع.
كثير ممن توارى خلف تلك الحياة الوهمية؛ فأطلق خياله باستحضار آسِر من الممكن أن تتفوّه به قلوب حاسدة حاقدة، وابتسامة من الممكن أن تكون ملاطفة متملّقة متعكرة المشاعر، تلاشت مشاعرنا وفقد كل شيء معناه حتى فقدنا مصداقيتنا فصرنا نستبشر ونهلل بأقدام قافزة ونشجو ونحزن بدموع منافقة، وأصبحت مشاعرنا الالكترونية.
قد نسأل أنفسنا أحيانا، هل يحتاج الحب إلى ثقافة؟ قد يبدو السؤال ساذجا، وقد تبدو الإجابة محض فلسفة أو تنظير، لكن من حق الحب علينا أن نعترف بوجود ثقافته التي تحيي أرواحنا وقلوبنا، ومع تطور الزمن، تطورت العلاقات الاجتماعية بكل مجالاتها، وأصبحت نظرتنا للحب مخالفة تماما لمفهومه الحقيقي الذي جعلنا ننحرف عن مساره المقدس، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، مما أدى إلى تفشي الانحراف عند أجيالنا ومن هم قائمون على تربية هذه الأجيال وحمايتها، وحتى تكتمل شروط ثقافة الحب، لا بد من وجود ثقافة التربية الاجتماعية، التي تقوم على القيم الأخلاقية، ولا بد أيضا من الاعتراف بتراجعنا الخطير حول هذه المسألة الهامة التي تشكل القوة والحضارة والتقدم في المجالات كافة وعلى الأصعدة وهي مسألة الوعي الاجتماعي الأخلاقي التي ترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة الحب.
قد يعزف البعض عم الحب أو الارتباط لأنه فقد المصداقية الحقيقية في المشاعر وفي العطاء وفي الالتزام الصادق
فيقرر البقاء وحده على أن يخوض شيء يدرك أنه سينتهي بحذف وحظر أو خذلان ويعود للصفر في نفس الدائرة
كلما ارتقى الانسان بوعيه وعقليته وتفكيره لن يخوض علاقات لا تبث في داخله الطمأنينة والأمان ، لن يضيع وقته في شيء يدرك من البداية أنه لن يكتمل أو مشوه
ترى إلى متى يظل البعض عالقاً في تعدديه دوائر الوهم التي تصبح مع الوقت إدمان مؤقت للشعور والرضى بأنه محبوب أو مرغوب
إلى متى يظل البعض عطش ونهم لسد فراغ أمانه الواهم ؟

اترك تعليقاً