المقالات


تشخيص بلا منهج

بقلم / سلافة سمباوة

 

أ خطر ما في بعض الجلسات النفسية ليس الخطأ، بل اليقين. حين يُقال التشخيص بثقة مطلقة دون منهج واضح، يصبح الأذى ممكنًا حتى لو كان القصد حسناً

أصبح الحديث عن الصحة النفسية اليوم أكثر حضورًا من أي وقت مضى، وتزايد الإقبال على الأخصائيين النفسيين بوصفه خطوة واعية نحو الفهم والتوازن. غير أن هذا الوعي المتنامي يفرض علينا طرح سؤال جوهري: هل كل تشخيص نفسي يُقدَّم لنا صحيح بالضرورة؟

العلاج النفسي، في جوهره، ممارسة علمية دقيقة، تقوم على أدوات تقييم واضحة، وتاريخ علاجي متكامل، وفهم شامل للسياق النفسي والأسري والاجتماعي للفرد. لكنه، في بعض الممارسات، قد ينحرف عن مساره حين يتحول من تحليل مهني إلى اجتهاد شخصي، أو حين تُسقَط قناعات ثقافية وأخلاقية على الحالة دون سند علمي.

الاختلاف بين الأخصائيين أمر طبيعي بل صحي، إذ لا توجد قراءة واحدة مطلقة للنفس البشرية. إلا أن الإشكالية تبدأ عندما يتحول هذا الاختلاف إلى يقين قطعي، أو عندما تُطلق توصيفات نفسية تحمل أحكامًا قيمية أو تنبؤات مستقبلية حاسمة، دون الاستناد إلى أدوات تشخيص معتمدة أو دراسة معمقة للحالة. في هذه اللحظة، لا يصبح الخطأ مجرد اختلاف مهني، بل قد يتحول إلى مصدر أذى نفسي حقيقي.

الأخطر من ذلك هو انتقال بعض الممارسات من تحليل السلوك إلى تشخيص الأشخاص المحيطين بالحالة، أو تحميل طرف بعينه مسؤولية معقدة عن مشكلات متعددة، دون تفكيك العوامل النفسية المختلفة أو النظر إلى الصورة الكاملة. هذا النوع من الطرح لا يساهم في العلاج بقدر ما يزرع الشك والذنب، ويقوّض الثقة التي يُفترض أن تكون أساس العلاقة العلاجية.

من حق المراجع، بل من واجبه، أن يتساءل:
هل ما يُقدَّم لي تشخيص علمي أم رأي شخصي؟
هل يتم التعامل مع حالتي ضمن سياقها الكامل أم اختزالها في عامل واحد؟
هل أشعر بالأمان والفهم، أم بالإدانة والاتهام؟

إن طلب رأي ثانٍ أو ثالث لا يُعد تشكيكًا في العلم، بل ممارسة واعية لحماية النفس، خصوصًا في مجال حساس كالصحة النفسية. كما أن إنهاء العلاقة العلاجية مع أخصائي لا يتوافق مع احتياج المراجع لا يعني فشل العلاج، بل قد يكون بداية لمسار أكثر اتزانًا وصدقًا.

يأتي هذا الطرح من منظور تحليلي مقارن، بالاطلاع على مدارس علاجية مختلفة، وعلى رأسها العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، ومن خلال نقاشات مهنية متعددة مع مختصين، أظهرت تباينًا في التفسيرات واتفاقًا على حقيقة أساسية: أن التشخيص النفسي مسؤولية علمية وأخلاقية لا تحتمل التعميم ولا الأحكام القيمية.

فالصحة النفسية ليست مجالًا للتجربة أو الإسقاط، بل مساحة إنسانية دقيقة، تستوجب وعيًا منهجيًا واحترامًا عميقًا للإنسان بوصفه كيانًا متكاملًا، لا ملفًا مختزلًا ولا قراءة أحادية

اترك تعليقاً