الملتقى الاقتصادي الإثيوبي–السعودي… شراكة تعيد رسم خرائط المستقبل
بقلم الكاتب الإثيوبي :حسن أحمد
أديس أبابا – 18 نوفمبر 2025م
في صباحٍ إثيوبيّ يحتضن شمس نوفمبر، وفي قلب العاصمة أديس أبابا التي تتحول سريعاً إلى منصة تلتقي فيها إفريقيا بالشرق الأوسط، انعقد الملتقى الاقتصادي الإثيوبي–السعودي في مشهدٍ يعكس أكثر من مجرد اجتماع أعمال… كان أقرب إلى إعلان مرحلة جديدة في العلاقات بين بلدين تجمعهما الجغرافيا الروحية والتاريخ المشترك، وتستنهضان اليوم مصالح اقتصادية أكثر عمقاً واتساعاً.
لم يكن الحضور الكبير لرجال الأعمال والمستثمرين والوفود الرسمية من البلدين مجرد بروتوكول؛ بل كان إشارة واضحة إلى أنّ إثيوبيا والسعودية تتحركان معاً نحو هندسة شراكة استراتيجية لا تُبنى على عناوين دبلوماسية فقط، بل على مشاريع استثمار، وتجارة، وتكامل تنموي، ورؤية تُعيد صياغة مفهوم التعاون الإقليمي.
ما وراء الملتقى… لماذا الآن؟
من يتأمل سياق هذا الملتقى يدرك أنّ انعقاده ليس صدفة ولا مناسبة عابرة.
فالعالم يتحرك نحو تكتلات اقتصادية، والدول التي تتقدم هي التي تُحسن اختيار شركائها. وهنا، تبدو إثيوبيا والسعودية أمام نافذة تاريخية:
السعودية: اقتصاد ضخم، ورؤية 2030 التي تمدّ أذرعها نحو الاستثمار الخارجي، والتكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والأمن الغذائي.
إثيوبيا: سوق واعد، قوة بشرية هائلة، موارد طبيعية واسعة، وموقع جغرافي استراتيجي يربط القرن الإفريقي بالخليج والعالم.ولذلك، كان هذا الملتقى بمثابة منصة لإعادة تعريف العلاقة الاقتصادية بين البلدين… ليس بوصفها تبادلاً تجارياً فحسب، بل تحالفاً استثمارياً طويل الأمد.—
جذور العلاقة… ومياه البحر الأحمر التي تجمع ولا تفصل
ليست العلاقات الإثيوبية–السعودية وليدة اللحظة.
فالبلدان يرتبطان بتاريخٍ ضارب في العمق، منذ أن احتضنت أرض الحبشة أولى موجات الهجرة في صدر الإسلام… إلى أن أصبحت المملكة اليوم قبلة الملايين من الإثيوبيين للعمل والزيارة والعبادة.
وعلى المستوى السياسي، حافظ البلدان على توازن دقيق من الاحترام والتفاهم والتقارب، بينما بقيت الروابط الشعبية أقوى من أي وثيقة. لكن الاقتصاد، ورغم وجوده، لم يُستثمر بما يكفي… حتى جاءت السنوات الأخيرة لتفتح صفحة جديدة، تدفعها:تطلعات إثيوبيا نحو التصنيع والتحديث. واتجاه السعودية نحو الاستثمار في إفريقيا ضمن خططها الاستراتيجية.
كلمات رسمت المسار… الدبلوماسية حين تلتقي برؤية الاستثمار
في كلمات سعادة الدكتور صالح المقبل، القائم بالأعمال في سفارة المملكة لدى إثيوبيا، ظهر وضوح الرؤية السعودية تجاه الاستثمار في القرن الإفريقي. تحدث بنبرة تجمع بين الواقعية والطموح، مؤكدًا أنّ السعودية لا تنظر إلى إثيوبيا من نافذة اقتصادية فقط، بل من نافذة الشراكة القادرة على صناعة استقرار وتنمية مشتركة.
أما رئيس مجلس الأعمال السعودي–الإثيوبي السيد عبدالله العجمي فقد ذهب أبعد في التفاصيل، مشيراً إلى القطاعات التي تمثل فرصاً ذهبية مثل: الزراعة الحديثة، الأمن الغذائي، التعدين، التكنولوجيا، الصناعة التحويلية، النقل والخدمات اللوجستية، والسياحة الاستثمارية. كانت كلماته بمثابة خريطة طريق واضحة لما يجب أن تكون عليه المرحلة المقبلة، لا مجرد العلاقات العامة.
إثيوبيا والسعودية… حين يلتقي المستقبل بالمصلحة المشتركة
المستقبل الذي يتحدث عنه الخبراء ليس مجرد توقعات؛ بل واقع يلوح في الأفق:
الأمن الغذائي السعودي يجد في الأراضي الإثيوبية خصوبة وفرصاً غير مسبوقة.
الصناعة الإثيوبية ستجد في رأس المال والتقنية السعودية قوة دفع هائلة.
الطاقة المتجددة تشكل جسراً يمكن للبلدين أن يلتقيا فوقه، خاصة مع الطموحات السعودية في الهيدروجين الأخضر.
التجارة العابرة للبحر الأحمر يمكن أن تتحول إلى أحد أهم الممرات الاقتصادية في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، تبرز التحويلات المالية التي يرسلها العاملون الإثيوبيون في السعودية كمحرك مهم للعلاقات الشعبية والاقتصادية.
تحالف لا يمكن تجاهله… بين إفريقيا الصاعدة والخليج المتجدد
إذا كان هذا الملتقى قد جمع رجال الأعمال، فإنه جمع أيضاً رؤيتين قوميتين:
رؤية إثيوبيا نحو اقتصاد متنوع قوي متصل بالعالم.
ورؤية السعودية نحو تفعيل قوتها الاستثمارية العالمية.
إنه التقاء قارتين… و عالمين اقتصاديين… و مستقبلين يتقدمان بخطى متسارعة.
ليس غريباً إذن أن ينتهي الملتقى بإجماع واسع على أنّ السنوات المقبلة ستكون مختلفة تماماً، وأنّ العلاقة بين إثيوبيا والسعودية لم تعد تُقاس بنبرة التصريحات، بل بالاستثمارات والمشاريع والفرص الحقيقية.
خاتمة… ما الذي يعنيه هذا للشعبين؟
يعني أن:
المستثمر الإثيوبي سيجد شريكاً عالمياً ذا خبرة وتمويل.
ورجل الأعمال السعودي سيجد أحد أسرع الاقتصادات الأفريقية نمواً.
والمواطنان في البلدين سيجنيان ثمار التنمية، من وظائف، ومشاريع، وتبادل تجاري يرفع مستوى الحياة.
إنه مستقبلٌ يكتبه البلدان الآن… مستقبل يتجاوز الأوراق الرسمية، ليصل إلى الناس، إلى المزارع، إلى المصانع، إلى الأسواق، وإلى البحر الأحمر الذي لم يعد فاصلاً… بل جسراً للتكامل والتنمية.
هكذا، خرج الملتقى الاقتصادي الإثيوبي–السعودي من كونه حدثاً في جدول أعمال… ليصبح عنواناً لمرحلة جديدة من التعاون بين بلدين شقيقين، يسيران معاً نحو غدٍ مشترك أكثر إشراقاً.
